بعض الذين قاتلوا وقتلوا وتقاتلوا عندنا وعند غيرنا من الأصوليّين والتكفيريّين والمتشددين، طالما نراهم يتباهون بأنهم مجاهدون في سبيل الله، وهمْ من أجلهِ وفي سبيله يقاتلون ويقتلون: يَبْقرون البطون، ويَبْتُرون الرؤوس، يشقّون الصدور، ويلتهمون الأكباد، ذلك كله كرمى لعين الله وجهاداً في سبيله تعالى.
وإذا شئنا لهذه النظرية تفسيراً يكون هؤلاء الجهاديون، هم وحدهم أبناء الله الذين ينتسبون الى سلالته الحصرّية، وهم ذرِّيتُه ووَرثَتُه على الأرض، وإنّهم باسمه يقاتلون مَنْ بهِ يكفرون، ومن ينتسبون الى نسلٍ لا علاقة لَهُ ولا صلة بفَخْذ آدم وبطن حواء.
كيف يستطيع العلماء والفقهاء أن يقفوا متفرِّجين حيال ما يستند إليه هؤلاء من بدعَةٍ في الفِقهِ والإجتهاد والتفسير، فيحدّدوا هم الجهة التي يكون الله معها والجهة التي يعاديها جلّ جلاله.
وكيف لا يطرح العلماء مئاتٍ من الآيات البيِّنات وما يقابلها من السنّة الشريفة، ليواجهوا الضالّين بما يعرّضهم للتكفير والتحقير، وبما يدْحَضُ دعوتهم حتى الإِقْحام والصمْتِ المطْبَق.
وهل الذين يدّعون الأصولية يفقهون حقاً الأصول الدينية، حين يعتقدون أنهم يقاتلون عدواً لله باسم الله، وهذا يعني حسب اعتقادهم أنه على الله أن يكون هو أيضاً منخرطاً في القتال ضدّ أعدائه.
ومن هو هذا الناطق الرسمي الإلهي على الأرض الذي ينظّـم بطاقة عسكرية لله تعالى، ومن أي دائرة من دوائر النفوس تُستخْرَجُ بطاقة هوية طائفية أو مذهبية لربِّ العالمين الذي في السماوات.
ومن هو هذا الفقيه السماوي على الأرض الذي يستطيع أن يحدِّد نهج الله السياسي أو الديني أو العقائدي أو المذهبي أو الجهادي ليشرِّع باسم الله مقاتلة أبناء الله الآخرين؟
في القرون الوسطى حيث كان الكتاب المقّدس يُفَسَّر بأنه "كلمة الله"، كان هناك من يُفَسِّر "كلمة الله" على أنها إيحاءٌ خاصٌ لَهُ، وكان هذا التشويه لتفسير النصوص المقدسة سبباً لتبرير أسوأ الإرتكابات الوحشية ضد الإنسان.
وفي فرنسا، في القرن السادس عشر كان الدين يُسْتَخْدَم ذرائع كاذبة، إذ كان الفلاحون يقتلون بعضهم بعضاً ويرتكبون الفضائح والموبقات، ويتزوجون بغير إمرأة، ومع هذا كانوا يمارسون حضور القداديس ويتناولون جسد المسيح.
ولقد كان هذا التحايل على الله سبباً في الحروب المدمرة في أوروبا والتي لم تهدأ ولم تسْتكِنْ إلا عندما تحولت المجتمعات الدينية الأصولية الى مجتمعات مدنية فانفصلت معها النزاعات الأرضية عن شؤون السماء في مخادعة الله.
واليوم لأن قادة السياسة عندنا وعند غيرنا سقطوا تحت هيمنة قادة المحاور، فلا يصح أن يتملَّص العلماء والفقهاء من تظهير خطى الله على الأرض وقد انحرف بها بعض السذَّج مدفوعين بالغرائز المسعورة وحمَّى المواجهات الى مجاهل الإستشهاد العبثي، على أنهم موعودون بالجنَّة وبنَبْع اللبن والعسل والحوريات.
وما ذنب هذا الشعب البريء الذي نشنِّف آذانه بطبول الحرب الدينية والمذهبية وصنوج الرفض الإكراهي للآخر ثم نتركه وقوداً لصنميةِ الرفض وفريسةً لخيبات الأمل؟
إن أخطر ما يعصف اليوم في العالم العربي هو ذلك المزْجُ العنفي بين الروحانيات والماديات والذي ساد في قرون أوروبا الوسطى، فطغت معه همجية إنسانية تلبّست رداء مزيَّفاً للدين، وهي التي تَفْرز عندنا أعمالاً مشابهة إرتفع فيها معدل الوحشية الى مستوى الجنون، وارتفع معها معدل الكفر الى مستوى تلطيخ أيدي الله بالدم، وهو الرحمان الرحيم.